تسعى المملكة إلى بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ينفتح على العالم بتوجهات حديثة وعصرية، مع الحفاظ على قيمنا ومبادئنا الإسلامية. ولكن، يبدو أن بعض المؤسسات المصرفية لا تزال تسير عكس هذا التيار، متبنية سياسات تعيق تطور المجتمع واقتصاده، بل وتتعارض مع حرية الأفراد في التصرف بأموالهم. من بين هذه السياسات المثيرة للجدل، يأتي دور أحد البنوك الذي يمنع عملاءه من استخدام بطاقاتهم المصرفية في أماكن معينة، بحجة أنها «غير إسلامية». تشمل هذه الأماكن متاجر التبغ، ودور السينما، والمقاهي الثقافية، وحتى بعض الفنادق داخل السعودية، ما يجعل التساؤل مشروعًا: كيف يُسمح لمصرف بأن يقرر نيابة عن العميل كيفية صرف أمواله؟
عندما حاول أحد العملاء الدفع باستخدام بطاقته المصرفية في أحد الفنادق العالمية في الرياض، تفاجأ أن العملية مرفوضة رغم وجود رصيد كافٍ. المشكلة ليست تقنية، بل ناجمة عن حظر متعمد من البنك. والأدهى من ذلك، عند التوجه إلى البنك المركزي السعودي، تم تبرير هذه الممارسات بأنها إحدى «مزايا» البنك! لكن، هل يمكن اعتبار منع العملاء من التصرف بأموالهم بحرية ميزة؟ في الواقع، هذا تدخل غير مشروع في حقوق الأفراد الاقتصادية، ووصاية لا تتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية من التقدم والانفتاح.
تهدف رؤية 2030 إلى تعزيز الاستثمار، وتشجيع السياحة والترفيه، وتحفيز النشاط الاقتصادي بمختلف أشكاله. والسياسات التي تنتهجها بعض البنوك تُعد عقبة أمام هذه الجهود، حيث تمنع العملاء من التفاعل مع قطاعات تمثل ركائز أساسية للرؤية. على سبيل المثال، القطاع السياحي يُعد جزءًا محوريًا في إستراتيجية تنويع الاقتصاد، ومنع العملاء من الدفع في الفنادق أو دور السينما يقوض الجهود المبذولة لجذب السياح وتحسين الخدمات الترفيهية.
اللافت أن الحجة المستخدمة لتبرير هذه السياسات هي الحفاظ على القيم الإسلامية، ولكن الإسلام لم يمنع الناس من التصرف في أموالهم. البنوك الإسلامية الحقيقية تهدف إلى تقديم حلول مالية متوافقة مع الشريعة دون فرض قيود على العملاء. إن ما نشهده هنا هو محاولة لفرض رؤى معينة على المجتمع بأكمله، وهو أمر لا ينسجم مع مبادئ الحرية الاقتصادية التي تسعى المملكة لتعزيزها.
من الضروري أن تراجع الجهات التنظيمية سياسات هذه البنوك، والتأكد من أن حقوق العملاء تُحترم، وأن المصارف لا تتجاوز دورها كوسيط مالي لتصبح وصيًا على أموال الأفراد. يجب أن نتذكر أن حرية الاختيار والتصرف بأموالنا هي من أسس الاقتصاد الحر الذي تسعى رؤية 2030 لتحقيقه.
ختامًا، على كل مؤسسة مالية أن تتماشى مع روح العصر وأهداف الوطن، وألا تكون حجر عثرة أمام التحولات الإيجابية التي تعيشها المملكة.
https://www.alwatan.com.sa/article/1158623